تعالت أصوات المطالبين بالإعدام العلنى فى الميادين العامة وامتد الطلب إلى إذاعته على الهواء مباشرة لرؤية الجثة المعلقة والعنق الطائر واللسان المتدلى والعين الجاحظة إلخ، أحترم تماماً وأقدر مشاعر أهالى الشهداء، وأعرف مدى القهر والغضب من رؤية ما يفعله الإرهاب الأسود فى أبنائنا من ذبح وتفجير وتفخيخ وسحل وقتل، لكن الإعدام العلنى سيجعلنا، كدولة وأفراد، نألف العنف والدم، البديل هو العدالة الناجزة التى لا بد أن ننفذها ونعض عليها بالنواجذ، الإعدام العلنى فى الميادين، كما يطلب البعض، هو تربية متدرجة لمارد العنف داخل كل مشاهد، شعلة الثأر داخلها بنزين داخلى وإشعال ذاتى، تظل متأججة لا تنطفئ، يتحول صاحبها إلى كتلة لهب معلقة فى ذيل قط مذعور، تحرق الأخضر واليابس بهستيريا وعدوانية، لا تجعلوا شعبنا يألف ثقافة الذبح والقتل والموت، لا تجعلوا الشعب يعيش التشفى والغل صوتاً وصورة، علموه احترام القانون، لأنه من البديهى أن عدوك لا يحترم القانون، فلا يجبرك هذا العنف على أن ترد بعدم احترام القانون أيضاً وإلا لكنا فى غابة، عندما نادى المستشار الخضيرى فى ميدان التحرير بمحاكمة مشروطة بإعدام مبارك علنياً فى الميدان، ولا أعرف ولا أفهم كيف تقول محاكمة وتصدر حكمك قبل انعقادها؟!!، عندما استمعت إلى هذه المطالب عرفت أن صاحبها يمثل وجهة نظر تنظيم الدم الإرهابى المسمى بالإخوان، وتساءلت كيف لقاضٍ المفروض أنه تشرّب روح القانون أن يطالب بمثل هذا المطلب اللاقانونى؟!، علينا وبرغم أى ملاحظات على محاكمة مبارك أن نأخذ دلالة مهمة منها، وهى أننا مهما حدث ما زلنا متحضرين ونحاكم فى محكمة فيها قاضٍ ومحامٍ وإجراءات استئناف ونقض، لم نقتل ونسلخ بهمجية مثلما حدث مع القذافى فى مشهد يذكرك بالضباع وهى تتجمع حول الدم، لم يبصق مصرى مثلما بصق عشماوى العراق على صدام قبل وضع عنقه فى المشنقة، ثم صوروا مشهد إعدامه على الهواء مباشرة، لا تجعلوا الثأر يفقدكم إنسانيتكم، لو نقلتم الإعدام بشكل علنى فستستيقظون على أطفال يعشقون الدم، وعلى رجال يألفون الموت، وعلى نساء يستلذذن بمشاهد الشنق والبتر والسحل. الإرهاب سينتهى بعد عدة سنين، بعد خمس أو عشر أو عشرين، ونستيقظ بعد انتهائه على كارثة أننا قضينا على الإرهابيين وزرعنا مكانهم الإرهاب نفسه، قضينا عليهم كأشخاص ونميناهم ورعرعناهم كثقافة، سنصدم عندما نعرف أننا قد قطعنا شرايين الإرهاب فى سيناء وأجرينا له جراحة Bypass لتعود إليه صحته فى الوجه البحرى والقبلى وربوع مصر كلها، المفاجأة أننا سنكون وقتها قد ودعنا شيوخ الإرهاب وربينا أطفال الإرهاب، ليحكمونا فيما بعد بالديمقراطية، وهم يرتدون البدلة والكرافتة، سنكون وقتها قد قضينا على تنظيم داعش وأقمنا دولة داعش بنفسية داعش وسلوك داعش وفجاجة وغلظة حس وموت قلب ووجدان داعش، لكن باسم مختلف.